نشر الاستاذ الدكتور عبدالله حميد العتابي المحترم ،رئيس قسم التاريخ في كلية التربية للبنات -جامعة بغداد، مقالاً علمياً بعنوان ( القوى الناعمة وخليجي 25) في جريدة الصباح العراقية.
تطرق العتابي الى القوة الناعمة هي ببساطة مجموع الإمكانيات التي تستعملها الدول والحكومات لتفادي استعمال وسائل القوة الصلبة من الجيوش والعقوبات والحصار وغيرها لفض النزاعات أو تفعيل مبدأ السيادة أو منع الأزمات. القوة الناعمة هي المقابل للقوة الخشنة أو القوة الصلبة وهي مؤسسة على وسائل غير مادية مثل اللغة والثقافة بمفهومها الشامل من فنون ورياضة وتعليم وتقاليد إلى جانب الدبلوماسية والوساطات والتحكيم والمعارض والندوات وغيرها من الأدوات الرمزية التي تحاول عبرها الدول تكوين خطوط دفاعية رمزية تؤمن سيادتها وثروتها وتخرج بها من مجال المفعول إلى مجال الفاعل.الحروب مثلا هي واحدة من أوجه فشل أدوات القوة الناعمة في منع الاصطدام ونتائجه الكارثية. بناء عليه فإن استدعاء أدوات القوة الصلبة ممثلة أساسا في السلاح إنما ينتج عن فشل المفاوضات والوساطات والتحكيم في منع الانزلاق العسكري.
كان احتضان البصرة للنسخة الخامسة والعشرين من بطولة كأس الخليج إحدى أدوات تأكيد القوة الناعمة للعراق على المستوى الخليجي. بعد معاناة العراقيين عقب سقوط الصنم في عام 2003 من سياسة دول الخليج تجاهه والتي تحفظت على النظام السياسي الجديد في العراق بل لن تتورع بعض حكومات الخليج في دعم المنظمات الارهابية من اجل تقويض التجربة الديمقراطية في العراق بعد عقود من الاستبداد والدكتاتورية الصدامية والتي لم تحرق العراق بنيران طغيانها فحسب ،بل وصلت الى الى ابتلاع احدى دول الخليج ولتصل دبابات صدام على مشارف حدود المملكة العربية السعودية. لقد تمكن العراق بعد سنوات طويلة من أن يُصبح له دور فاعل ومؤثر في المنطقة؛ من خلال توظيف وإدارة موارده، وإقامة علاقات جيدة مع الدول الخليجية، مع المحافظة على استقلالية القرار العراقي، ورفض أي إملاءات خارجية. بعد ان فهم النظام السياسي في العراق ،ان الاستثمار في الرياضة من أدوات القوة الناعمة، التي تحرص الدول على الاستفادة منها. وقد نجح العراق في تعظيم قوته الناعمة بالاستثمار الرياضي بشكل لافت للانتباه.لقد قدم العراق نموذجا يُحتذى به، من خلال التنظيم الرائع غير المسبوق للبطولة،عن طريق استقطاب ابناء الخليج العربي والاستقبال الحافل للخليجيين في البصرة استكمالا للنجاحات، وتتويجا للمسيرة العراقية في الاستثمار الرياضي -التي أضافت إلى المجال أكثر مما أضاف المجال إليها- .لقد عكس تنظيم العراق لبطولة خليجي 25 السياسة العامة للعراق الجديد، الذي انتهج السلم والامن واحترام الجوار الجغرافي والتكافل الإنساني قاعدة أساسية.و أكد العراق من خلال تنظيم خليجي 25 أن هوية البلاد وقيمها العربية والإسلامية ليست محلا للتفاوض أو التنازل، وهويته الخليجية غير قابلة للنقاش،وان الشعب العراقي لن يتنازل عن مبادئه .ومن ناحية أخرى استثمرالعراق هذا الحدث الرياضي، ووجود مئات الألوف من ابناء الخليج العربي ونجاحه في تنظيم خليجي 25 بشكل غير مسبوق أبعادا تتجاوز حدود المجال الرياضي، إلى أبعاد أخرى سياسية ,واقتصادية وثقافية، وحضارية، في ظل تحولات عالمية، ويؤكد أن الشعب العراقي يمتلك القدرة على المساهمة الفاعلة في صنع الحضارة الإنسانية، وأنه في طريقه لاستعادة مكانه المناسب ومكانته اللائقة في المنظومة العالمية.وبقى ان اقول ،هناك عنصران أساسيان من بين عدد من العناصر المؤهلة لاكتساب أساب القوة الناعمة وهما أساسا مجال الحريات السياسية والإعلامية وغيرها من الأسس والمبادئ المشمولة بمبدأ الحرية. فلا يمكن لدولة قمعية شمولية استبدادية أن تمتلك أسباب هذه القوة البديلة ،لأن شروط التأسيس لها عبر مبدأ الحرية شرط مفقود. ليس العراق دولة ديمقراطية بالمفهوم الغربي فحسب،بل تعتبر من بين أكثر الدول العربية انفتاحا على الآخر وتحترم عدد من المبادئ الأساسية مثل تاسيس الاحزاب السياسية وحرية الإعلام والتعبير أساسا. جوهر القول أن ما كشفه خليجي 25 يؤكد ان العراقيين هم حراس البوابة الشرقية لكن ليس بالحروب العبثية ،بل بالثقافة والرياضة والعلم والتقاليد والقيم الخليجية الاصيلة.
أمنياتنا للاستاذ الدكتور عبدالله حميد العتابي بدوام الرقي والتالق والعطاء في مسيرته العلمية.